46 ألف إصابة خلال عام.. تقرير يكشف كيف تصاعدت الإصابات بالسرطان في العراق
46 ألف إصابة خلال عام.. تقرير يكشف كيف تصاعدت الإصابات بالسرطان في العراق
كشف مجلس السرطان العراقي عن تسجيل ارتفاع جديد في أعداد الإصابات بالسرطان خلال العام الماضي، إذ بلغ عدد الحالات المسجلة 46390 إصابة في عموم العراق بما في ذلك إقليم كردستان.
وفقا لبيانات رسمية نشرتها شبكة "رووداو الإعلامية" الأربعاء يعكس هذا الرقم اتجاها متصاعدا للمرض مقارنة بالعام السابق الذي سجل 43062 إصابة، ما يؤكد أن العراق يتقدم بثبات نحو مواجهة واحدة من أثقل الأعباء الصحية في تاريخه الحديث.
وبحسب الأمين العام لمجلس السرطان العراقي تحسين الربيعي، فإن هذه الأرقام جرى جمعها من مختلف محافظات البلاد بالتنسيق مع المؤسسات الصحية في الإقليم والمحافظات كافة، ضمن عملية توثيق تخضع للتمحيص والتدقيق لضمان خلوها من التكرار أو الأخطاء، ويمثل هذا الجهد محاولة وطنية لتحديث قاعدة البيانات الصحية ورسم صورة أدق لانتشار المرض في البلاد.
ورغم أن الأرقام تبدو صادمة بما تحمله من حجم، فإن مسؤولي السيطرة على السرطان، مثل محمد عبد الوهاب في محافظة السليمانية، يؤكدون أن زيادة الحالات المسجلة قد لا تعني بالضرورة زيادة فعلية في عدد المصابين، بل ربما تعود إلى توسع الفحوصات وتحسن نظم التوثيق وارتفاع الوعي الصحي في بعض المناطق أكثر من غيرها.
محافظات تتصدر المشهد
وفق الإحصائية عن الوضع في العراق، تصدرت أربيل قائمة المحافظات من حيث عدد الإصابات المسجلة مقارنة بعدد السكان، حيث تم تسجيل 147.8 إصابة لكل مئة ألف شخص، وجاءت كربلاء في المرتبة الثانية بـ132.8إصابة، تلتها بغداد بمعدل 123.8 إصابة.
أما على مستوى العدد الإجمالي للحالات فقد جاءت بغداد في الصدارة، إذ سجلت 11642 إصابة، وهو رقم يعكس حجم الكثافة السكانية في العاصمة إضافة إلى توسع قدرات الكشف الطبي فيها، وفي المقابل سجلت صلاح الدين أدنى معدل مقارنة بعدد السكان حيث بلغ 67.6 إصابة لكل مئة ألف نسمة.
وتشمل الأرقام التفصيلية المسجلة لعام 2024 تسجيل أربيل 3194 إصابة، وكربلاء 1878 إصابة، وبغداد 11642 إصابة، والنجف 2028 إصابة، والسليمانية 2913 إصابة، وبابل 2527 إصابة، والبصرة 3558 إصابة، والقادسية 1492 إصابة، وواسط 1570 إصابة، وديالى 1836 إصابة، والأنبار 1900 إصابة، وكركوك 1700 إصابة، والمثنى 839 إصابة، وذي قار 2090 إصابة، ودهوك 1283 إصابة، وميسان 1048 إصابة، ونينوى 3234 إصابة، وصلاح الدين 1256 إصابة، وفي الأجانب 402 إصابة.
هذه التباينات بين المحافظات لا تعكس فقط حجم انتشار المرض في العراق، بل تكشف تفاوتا واضحا في مستوى الفحوصات والإمكانات الطبية، إذ قد تكون بعض المحافظات أكثر قدرة على تسجيل الحالات مقارنة بغيرها التي تعاني نقصا في الخدمات الصحية وضعفا في المراكز التشخيصية.
ارتفاع الوفيات وتحديات العلاج
تشير بيانات مجلس السرطان العراقي إلى تسجيل أعلى عدد من الوفيات في محافظة بغداد التي بلغت 3763 حالة وفاة خلال عام 2024، بينما سجلت أربيل أدنى عدد من الوفيات بـ37 حالة فقط، وتبرز هذه الفجوة عوامل عديدة، من بينها الفوارق الكبيرة في كثافة السكان، ومدى توافر مراكز العلاج المتخصصة، واختلاف قدرة المرضى على الوصول إلى الرعاية المتقدمة.
أما فيما يتعلق بالفئات الأكثر إصابة، فقد أكد التقرير أن أبرز أنواع السرطان لدى الرجال في العراق هي سرطانات الجهاز التنفسي ثم البروستات، بينما تتصدر سرطانات الثدي والغدة الدرقية معدلات الإصابة لدى النساء، ويشير هذا النمط إلى عوامل بيئية وصحية واجتماعية تراكمت خلال السنوات الماضية، خصوصا في ظل المشكلات البيئية المزمنة، وانتشار التلوث، وضعف أنظمة المتابعة الصحية.
كما سجل العراق 1923 حالة إصابة بالسرطان بين الأطفال والمراهقين حتى سن الرابعة عشرة، وتصدرت محافظة السليمانية هذا التصنيف بواقع مئة وست عشرة إصابة، وهو مؤشر يسلط الضوء على ضرورة تعزيز الجهود التشخيصية والعلاجية للأطفال باعتبارهم الفئة الأكثر هشاشة.
أسباب محتملة وراء الارتفاع
لا يقدم التقرير تفسيرا مباشرا لارتفاع الأرقام، لكن متخصصين يشيرون إلى مجموعة من العوامل التي يمكن أن تكون وراء تزايد الحالات المسجلة، من بين هذه العوامل التوسع المتزايد في برامج الفحص المبكر، خصوصا في المناطق الحضرية، إضافة إلى تغير أنماط الحياة، وارتفاع معدلات التلوث البيئي، والتعرض المستمر لمخلفات الحروب والمواد السامة.
كما يلعب ضعف الوعي الصحي دورا مهما في تأخر اكتشاف المرض، إذ غالبا ما تصل الحالات إلى المراكز الصحية في مراحل متقدمة، ما يقلل من فرص النجاة ويزيد من نسبة الوفيات. ويرى خبراء أن تحسين الثقافة الصحية وإتاحة الفحوصات الدورية يمكن أن يغيرا شكل الإحصاءات مستقبلا.
تفاوت الخدمات بين المحافظات
توضح الإحصائية أن المحافظات التي سجلت عددا أكبر من الإصابات ليست بالضرورة أكثر تضررا بالمرض، بل قد تكون أكثر تنظيما في عمليات الفحص والتسجيل. فعلى سبيل المثال سجلت أربيل أعلى معدل إصابات نسبة إلى عدد السكان، وهو ما يعزوه مختصون إلى انتشار الفحوصات بشكل أوسع مقارنة بمحافظات أخرى.
وفي الوقت نفسه تظهر بعض المحافظات أرقاما منخفضة، ليس بسبب قلة الإصابات بل لعدم توفر الفحوصات الكافية، وضعف تغطية المراكز الطبية، خاصة في المناطق الريفية والحدودية.
هذا الواقع يعكس فجوة كبيرة بين المحافظات ويؤكد الحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة تضمن الحد الأدنى من جودة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العراق.
عبء نفسي واجتماعي ثقيل
بعيدا عن الأرقام، يكشف هذا الارتفاع المتواصل في الإصابات عن آثار اجتماعية وإنسانية عميقة، فالسرطان لا يهدد حياة المرضى فحسب، بل يترك أثرا نفسيا واقتصاديا على أسرهم، إذ تمثل تكاليف العلاج عبئا كبيرا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد، كما يواجه المرضى رحلة طويلة بين الفحوصات والعلاج في ظل نقص الأدوية وتفاوت جودة الخدمات بين المستشفيات الحكومية والخاصة.
ويشير العاملون في هذا المجال إلى أن الدعم النفسي والاجتماعي لا يزال ضعيفا، رغم أهميته في تعزيز قدرة المرضى على مواجهة المرض وتحسين جودة حياتهم.
ضرورة استراتيجية وطنية
تكشف هذه البيانات الحاجة الملحة إلى خطة وطنية شاملة لمكافحة السرطان، تقوم على تعزيز قدرات الفحص المبكر، وتطوير البنية التحتية للمستشفيات، وتوفير أدوية العلاج الكيماوي والمناعي، وتدريب الكوادر الصحية، إضافة إلى حملات توعية مستمرة تستهدف جميع الفئات العمرية.
شهد العراق خلال العقود الماضية سلسلة طويلة من التحديات الصحية والبيئية التي ساهمت في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، بدءا من آثار الحروب المتعاقبة وما خلفته من ملوثات كيميائية وإشعاعية، مرورا بضعف أنظمة الرقابة البيئية، ووصولا إلى تدهور البنية الصحية ونقص الاستثمارات في قطاع الطب الوقائي، ومع استمرار التوسع العمراني والتلوث الهوائي والمائي، إضافة إلى محدودية برامج الفحص المبكر، ارتفعت معدلات التشخيص خلال السنوات الأخيرة.
وفي ظل عدم وجود سجل وطني شامل للسرطان حتى وقت قريب، كانت الأرقام أقل دقة، إلا أن تحسن نظم التوثيق خلال السنوات الأخيرة جعل من الممكن تتبع تطور المرض بشكل أوضح، وتؤكد المنظمات الصحية الدولية أن مواجهة السرطان في العراق تتطلب جهودا متعددة تشمل تحسين الغذاء والبيئة، وتعزيز حملات الكشف المبكر، وتوسيع نطاق مراكز العلاج المتخصصة.










